مباركة رئيس القسم

الكتالوغ النابض أمامكم/نّ هو الشهادة الأخيرة والختاميّة على الفوج الدراسيّ الأكثر مُجابهةً للتحدّيات في تاريخ قسم الفنون. إنّه فوج حقبة دراسيّة جرى نصفها، ثلاثة فصول دراسيّة، في ظلّ جائحة الكورونا، ومن خلال التعلّم عن بُعد. إنّ ما شكّل تحدّيًا لجميع المؤسّسات التعليميّة في البلاد، ولمدارس الفنون كان بمثابة خطر وجوديّ حقيقيّ. كلّ مؤسّسة أصرَّت على الصمود أمام الجائحة والمواظبة على أنشطتها الجارية، اضطرّت إلى إعادة تكوين نفسها من جديد، وفي الواقع اضطرّت إلى التفكير من البداية في هذه الفكرة برمّتها؛ فكرة دراسة الفنّ وتعليمه. لقد وجد كلّ واحد وواحدة منّا، نحن أعضاء وعضوات الهيئة التدريسيّة، نفسه في العام الماضي يبني برامج تعليميّة جديدة ويلائمها وهو يجري ويلهث، يتكيّف مع طرائق تدريسيّة لم يعرفها من قبل، ويتعامل مع مشكلات لم يتخيّلها أبدًا.

وإذا كان الأمر صعبًا علينا، نحن المعلّمات والمعلّمين، فليس لديّ القدرة حتّى على تخيّل المصاعب التي واجهها طلّابنا وطالباتنا. لقد تلقّى هؤلاء، في منتصف العام الدراسيّ السابق، مجموعة من المعلّمات والمعلّمين المُحرجين وعديمي الخبرة، في عالم فزِع وفي جوّ مُروّع، وكان عليهم التكيّف مع برنامج تعليميّ لم يرجوه لأنفسهم ولم يلتحقوا به إطلاقًا. أردنا جميعًا أن نصدّق أنّه حتى حلول العام الدراسيّ القادم، سيكون كلّ شيء على ما يرام، وسيتمّ العثور على الدواء وسيختفي الفيروس بشكلٍ أعجوبيّ – العودة إلى الحياة الروتينيّة بات هنا قاب قوسين أو أدنى. لكن، سرعان ما اتّضح أنّه ليس هناك شيء بهذه البساطة التي كنّا نرغب لها أن تكون، وأنّ حياتنا جميعًا قد تغيّرت بشكل دراماتيكيّ، بما في ذلك الحياة الأكاديميّة وقسم الفنون. بدأ العام الدراسيّ الجديد أيضًا بالتعلّم عن بُعد، وجرت، بشكل كامل تقريبًا، في ظلّ حظر صارم على القدوم والعمل في الحرم الجامعيّ.

بالنسبة إلى طلّاب/طالبات الفنون، وبالتأكيد أولئك الذين هم في سنتهم الدراسيّة الأخيرة، كان ذلك حدثًا مُحبطًا. مدرسة الفنون هي مؤسّسة مجهَّزة بأفضل الأجهزة والأدوات التي يمكن أن يطلبها/تطلبها طالب/ة الفنون. لقد صمّمت بنايتنا لتلبّي الاحتياجات في كلّ مجال تقريبًا، ولكلّ فنتازيا تقريبًا. لكن هذه المرّة – من ورشة النحت الحديثة إلى مختبر الحاسوب الجديد، من المطابع القديمة إلى أفضل تقنيّات السيراميك – تمّ منع كلّ هذه الأمور عن طلّاب وطالبات السنة الثالثة، والتي هي سنتهم الدراسيّة الأخيرة، ومن المفروض أن يقدّموا في نهايتها معرضًا يضمّ مجموعة من الأعمال المصقولة، الجدّيّة والمثيرة للاهتمام. لكن، بدلًا من العمل في الفضاءات الفسيحة والمفتوحة التي في المدرسة، أُجبِر الطلّاب والطالبات على البقاء منكمشين على أنفسهم في منازلهم، والعمل في ظروف محدودة وغير متكافئة، وتعلّم المهنة الأكثر حرّيّةً في العالم من خلال نوافذ صغيرة على شاشة الحاسوب، بينما هم عالقون تحت رحمة شبكة الإنترنت المحلّيّة.

وإذا لم يكن كلّ هذا كافيًا، فمن الجدير أن نذكر بأنّ هذا الفوج تعلّم في ظلّ الحقبة السياسيّة الأكثر اضطرابًا التي عرفتها دولة إسرائيل طوال سنواتها. هذا الاضطراب، الذي أدّى إلى أربع معارك انتخابيّة في غضون عامين، أثّر، بشكل كبير، على جميع المؤسّسات التربويّة والتعليميّة في البلاد، بما في ذلك الجامعات أيضًا. تعلّم طلّاب وطالبات هذا الفوج تحت ثلاثة وزراء مختلفين (وزيرا تربية وتعليم ووزير للتعليم العالي)، ولكلّ واحد منهم أهواؤه الخاصّة، وفي ظلّ عدم وجود ميزانيّة للدولة، ما جعل جميع المؤسّسات العامّة، ومرّة ​​أخرى – بما في ذلك الجامعات، مُجبرةً أن تدير شؤونها بشكل منضغط ومقتصد، وبدون أيّ قيادة أيديولوجيّة واضحة وذات مغزى. قد يكون تأثير هذه الأمور أقلّ دراماتيكيّةً وأقلّ وضوحًا من تأثير جائحة الكورونا، لكنّه بالتأكيد ملحوظ، حتّى لو لم يتمكّن الطلّاب والطالبات أنفسهم دائمًا من ملاحظته. ووصل عدم الاستقرار الحكوميّ ذروته في الأشهر الأخيرة على شكل موجة مرعبة من العنف والقلاقل، والتي كانت نتيجة التحريض الحكوميّ المستمرّ، ما أدّى إلى أزمة ثقة شاملة بين مختلف مكوّنات المجتمع في إسرائيل. قسم الفنون هو قسم مختلط يتعلّم فيه طلّاب وطالبات من مختلف الديانات والثقافات التي تتقاسم الحياة في هذه البلاد، ولقد تسرّبت توتّرات هذه الفترة، بشكل لا مفرّ منه، إلى هنا أيضًا. وحين أصبح من الممكن بالفعل العودة إلى العمل في فضاءات المبنى وفي الورشات، خشيَ بعض الطلّاب والطالبات من القدوم إلى الحرم الجامعيّ، واضطرّوا إلى مواصلة العمل في الظروف المحدودة في المنزل أو في الشقّة الخاصّة.

على الرغم من هذا كلّه، فقد حدث ما لا يُصدَّق تقريبًا، وها نحن الآن على عتبة كتالوغ إنترنتيّ (الأوّل من نوعه في تاريخ القسم) لمعرض الخرّيجين والخرّيجات، في نهاية واحد من أكبر أفواج القسم في السنوات الأخيرة. بخلاف كلّ التوقّعات، يتمّ، هذه السنة أيضًا، تقديم معرض للخرّيجين وللخرّيجات لا تقلّ جودته عن تلك المعارض التي سبقته، وعلى الرغم من تحقيقه ببذل أضعاف مضاعفة من الجهود المبذولة عادةً، إلا أنّ العرق والجهد غير ملحوظين فيه على الإطلاق، وهو يشكّل مصدر فخر لنا جميعًا، من مدرّسات وطلّاب على حدّ سواء. يقدّم كلّ خرّيج وخرّيجة هنا ما في جعبتهم من مضامين فكريّة ونفسيّة تراكمت على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهي تعكس الشحنة المركّبة، المعمّقة والمثيرة للتحدّي التي جمعوها خلال هذه الفترة الصعبة والشائكة.

إنّ الكتالوغ الإنترنتيّ المعروض أمامكم، والذي يُعتبَر- كما ذُكِر- تجديدًا بعد سنوات من الكتالوغات المطبوعة، يُمكّننا من تمديد فترة وجود المعرض المادّيّ، الذي يكون وقته محدودًا بطبيعة الحال. فبدلًا من كتيِّب يتمّ تصفّحه مرّتين أو ثلاثًا فقط قبل أن يُهمَل ويُترك للغبار ولأنسجة العنكبوت، اخترنا هذه المرّة إنشاء موقع إنترنت ديناميكيّ وغنيّ، يتيح لكلّ واحد وواحدة من العارضين والعارضات عرض أكثر من عمل فنّي واحد أو اثنين، ولفترة أطول بكثير. كلّ واحد وواحدة من خرّيجي وخرّيجات القسم هو/هي الآن على بُعد مسافة كتابة اسمه/اسمها في جوجل، وحضوره/ا في العالم كفنّان/ة يبدأ الآن. متصفّحو ومتصفّحات هذا الكتالوغ سيجدون فيه مجموعات أعمال مصقولة، معلومات عن المبدعين، المبدعات والأعمال الفنّيّة، لا بل سيجدون فيه أيضًا مقاطع دوكو قصيرة وشخصيّة أعدّها الفنّانون/الفنّانات أنفسهم/نّ، في إطار ورشة مع ضيف أجروها مع الفنّانة ومبدعة الدوكو، شاحف ديكل.

لم يقتصر التجديد على الكتالوغ الإنترنتيّ وحده. هذا العام، وبسبب العدد الكبير من العارضين/العارضات، توزّع المعرض على موقعين اثنين، وهو معروض أيضًا في متحف هيخط، متحف الفنون والآثار، الواقع في مبنى الجامعة الرئيسيّ. شبكة العلاقات الحميمة بين المتحف وقسم الفنون مستمرّة منذ سنوات عديدة، لكن هذه هي المرّة الأولى التي يحدث فيها تعاون وثيق من هذا النوع. وفي هذه المناسبة أوَدّ أن أشكر الدكتور عيران أرييه وطاقم المتحف على استعدادهم للتجنّد وترحيبهم بهذا التعاون وتسهيله، وكلّي أمل أن يتبعه الكثير.

على مستوى شخصيّ، أتمنّى لجميع خرّيجينا وخرّيجاتنا النجاح الباهر في تتمّة الطريق. كلّي أملٌ أن يجد كلّ واحد/ة منكم/نّ طريقه/ا المميّز في العالم المركّب الذي تخرجون/تخرجن إليه الآن، وأن تنضج التحدّيات التي واجهتموها/واجهتنّها بنجاح كبير في السنوات الأخيرة إلى عِبَر حقيقيّة لحياة مفعمة بالعمل الجدّيّ الهادف. يتمّ الآن إرجاع كلّ واحد/ة منكم/نّ إلى المجتمع في إسرائيل، كسفير/ة للفنّ والثقافة، وكوكيل/ة للتغيير في مكان هو في أمسّ الحاجة إليه. أتذكّر معظمكم من مقابلات القبول إلى القسم، قبل ثلاث سنوات. قدِم معظمكم إلى هنا شبابًا/شابّات في منتهى البراءة، وبالتأكيد في كلّ ما يتعلّق بالفنّ وبمعناه في حياتنا. أنتم/أنتنّ تخرجون/تخرجن من هنا اليوم أشخاصًا آخرين تمامًا، ومن تجربة شخصيّة يمكنني أن أخبركم/نّ أنّه ستمرّ سنوات إلى أن تذوِّتوا/تذوِّتْن حقًّا عمق التغيير الذي مررتم/نّ به هنا. أشكركم/نّ جميعًا على الامتياز الذي مُنِحْتُه بالمساهمة في هذا التغيير، سويّةً مع جميع المدرّسات والمدرّسين في القسم. نحن فخورون/ات جدًّا بكم/نّ.

إنّ عدد أولئك الذين بفضل عملهم تمكّنّا من إنجاز هذه السنة المجنونة هو هائلٌ. أشكر كلّ واحد وواحدة منكم/نّ أيّها المدرّسون والمدرّسات، الإداريّون والإداريّات، المركّزات والسكرتيرات، عمّال الصيانة، المختبرات والورشات، بناة المواقع والمصمّمات، المديرون والمديرات – لولاكم لما حدث كلّ هذا. أتقدّم بشكر خاصّ إلى زميلتنا ليهي حين، مديرة ورشة المشاريع وأمينة المعرض، التي عملت ليل نهار وبلا كلل هذه المرّة أيضًا، كما في كلّ سنة من السنوات الأخيرة، لجلب 37 من طلّابها/أبنائها إلى خطّ النهاية بأفضل صورة يمكن تخيّلها. ليهي، المعرض والكتالوغ يبدوان كما لو أنّه لم تكن هناك كورونا في العالم، وهذا كلّه بفضلك أنت. أشكرك نيابةً عن كلّ الطاقم ونيابةً عن كلّ الطالبات والطلّاب، على التضحية والالتزام غير المحدودين.

أوَدّ أن أستغلّ السطور الأخيرة لكي أشكر أسرة زميلنا وصديقنا العزيز والمحبوب، أوري كاتسنشتاين. في هذا العام أيضًا تبرّعت الأسرة بمنحة دراسيّة لخرّيج/ة متفوّق/ة تخليدًا لذكرى أوري. إنّها لفتة مُؤثّرة وغير مفهومة ضمنًا على الإطلاق، وأوَدّ أن أشكركم عليها من صميم قلبي. نحن نتذكّر أوري ونقدّره ونكرمه يوميًّا في القسم. لا تزال روحه حاضرة بيننا وتؤثّر علينا جميعًا بعمق. شكرًا.

آسي مشولام

رئيس قسم الفنون